بين مؤتمر قمة المناخ واليوم العالمي للبيئة
لقد تشرفت بحضور مؤتمر قمة المناخ Cop27 في مدينة شرم الشيخ نوفمبرالماضي ، وسيحتفل العالم يوم 5 يونيو باليوم العالمي للبيئة في ذكراه الخمسين ، ولا تزال آثار نتائج مؤتمر قمة المناخ في نوفمبر الماضي تتردد في فضاءات الاجتماعات والإعلام ، فقد نجح المؤتمر في وضع قضايا المناخ في قلب الاحتياجات الإنسانية الملحة، وبدءا من مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية عام 1992 الى باريس 2015 الى جلاسكو 2021 الى شرم الشيخ 2022 فقد توصل المؤتمر الى قناعة الدول المشاركة انه لا بديل عن العمل المشترك وتم اقرار انشاء صندوق (الخسائر والأضرار) لتعويض الدول النامية ، وتم توقيع اتفاقيات في الطاقة الخضراء المتجددة ، وتم توقيع أكثر من عشرين مذكرة تفاهم لمشروعات الهيدروجين الأخضر ومشتقاته، تجاوز إجمالي استثماراتها ٨٠ مليار دولار ..
يجيئ الإحتفال باليوم العالمي للبيئة بهدف توضيح المخاطر المحيطة بالبيئة وتسليط الضوء على أهمية اتخاذ إجراءات جدية لمجابهة القضايا البيئية وزيادة الوعي لتبني سلوك مسؤول من الحكومات والأفراد واذا كانت التنمية المستدامة تعني : تنمية اقتصاد وتنمية مجتمع وبشر ومحافظة على البيئة ، واذا كانت الطاقة ركيزة أساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، لذا تعتبر تنمية موارد الطاقة الأولية وحُسن إدارتها واستخدامها من أهم سياسات واستراتيجيات التنمية المستدامة ، فالطاقة تعتبرمحرك الإقتصاد ، والطاقة المستدامة تعني خدمات الطاقة الحديثة، وتحسين كفاءة الطاقة، وزيادة استخدام مصادر الطاقة المتجددة (من الرياح ومساقط المياه ومن الشمس, ومن حركة الأمواج والمد والجزر أو من حرارة باطن الأرض ) ويمكن معها تلبية طلبنا من الطاقة اليوم دون تعريضها لخطر انتهاء صلاحيتها أو نضوبها مستقبلا ولا تسبب أي ضرر للبيئة ، وخاصة مع توقع نضوب مصادر الوقود الأحفوري مستقبلا ، علاوة على تزايد الطلب على الطاقة ، لذا وجب علينا استغلال مصادر الطاقة المتجددة وتطبيق نظم كفاءة الطاقة .
وبعد استشعار خطر ظاهرة الاحتباس الحرارى، بفعل التلوث الصناعى، وتزايد نسب الكربون فى الغلاف الجوى، وتصاعد عوادم السيارات لتلوث الهواء وتضر بصحة البشر ، فلم تسلم الكرة الأرضية من غضب الطبيعة، والتى أعربت عن غضبها بالأعاصير، والفيضانات، والتصحر، وحرائق الغابات!!.
وبدأت دول العالم تتحدث عن ضرورة التوجه الى الاقتصاد الأخضر الذي يهدف إلى الحدّ من المخاطر البيئية وإلى تحقيق التنمية المستدامة دون أن تؤدي إلى حالة من التدهور البيئي ، وبه يمكن تحقيق التكامل بين الأبعاد الأربعة للتنمية المستدامة وهى الأبعاد البيئية والاجتماعية والاقتصادية والتقنية أو الإدارية ، مع ضرورة تطويع الاقتصاد الأخضر مع الأولويات والظروف الوطنية، فهو يمثل طوق النجاة للدول لمواجهة التحديات الكبيرة التي تواجه البيئة، ويساهم الإقتصاد الأخضر بشكل كبير فى ترشيد الاستهلاك والحفاظ على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة، مع تعظيم الاستفادة من الطاقة الجديدة والمتجددة والاقتصاد الأخضر له 6 قطاعات مختلفة منها : المبانى الخضراء، والطاقة المتجددة، والنقل المستدام، وإدارة المياه وإدارة الأراضى وإدارة النفايات .
ومن منطلق عملي السابق كمتحدث رسمي لوزارة الكهرباء والطاقة المتجددة ، فقد عايشت جهود قطاع الكهرباء المصري للتوجه للطاقة المستدامة والتي من شأنها تقليل انبعاثات ثاني اكسيد الكربون والمحافظة على البيئة ومنها: توزيع ملايين لمبات الليد الموفرة بدعم كبير بدءا من عام 2013 وحتى عام 2016 وذلك خلال شركات التوزيع التسعة بجميع المحافظات ، وانشاء محطات الطاقة المتجددة لتوليد كهرباء من الشمس والرياح لتوليد الكهرباء مما خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بما يقارب 10 مليون طن ثاني أكسيد كربون ، وإحداث وفر في الوقود يقارب 4 مليون طن مكافئ نفط ، وخاصة مع تنفيذ وتشغيل مجمع بنبان الشمسي 1465 ميجاوات يسهم فى الحد من انبعاثات الكربون بنحو مليونى طن . وتنفيذ 121 محطة طاقة شمسية، في 15 محافظة بإجمالي قدرة مركبة 9.6 ميجاوات، وبإجمالي وفر في الطاقة 14.8 ميجا. و.س/ سنوياً، وتصل نسبة الخفض في نسبة ثاني أكسيد الكربون إلى 9.3 طن/ سنوياً، وزيادة محطات الرياح وقد اعلنت هيئة الطاقة المتجددة مؤخرا عن مساهمتها فى خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحوالى 10 مليون طن ، وتوفير 4.4 مليون طن بترول مكافئ واستهداف الوصول بنسبة الطاقات المتجددة في مزيج الطاقة الكهربائية إلى 42% بحلول عام 2035 و يعمل القطاع الخاص حاليا على تطوير مشروعات بإجمالي قدرات 2800 م.و من طاقة الرياح وحوالي 700 م. و. من الطاقة الشمسية، ، وتنفيذ حملات التوعية بترشيد استهلاك الكهرباء ، وانشاء مراكز التحكم واستخدام العدادت الذكية ومسبقة الدفع، والسعي لإنشاء المحطة النووية بمنطقة الضبعة لإنتاج كهرباء نظيفة دون انبعاثات ، والتعاون للتوسع في استخدام السيارات الكهربائية والتعاقد لتنفيذ مشروع الضخ والتخزين المائي لتوليد الكهرباء ، والتعاقد لتنفيذ مشروعات الهيدروجين الأخضر ، والتعاون لتعزيز الصناعة المحلية لمكونات محطات الخلايا الشمسية الفوتوفولطية ومحطات الرياح ، وتصنيع لمبات الليد الموفرة محليا . وتشغيل محطات سيمنس عالية الكفاءة بغاز طبيعي وتحويل بعض وحدات التوليد الحرارية من دورة بسيطة ( بوقود احفوري) الى دورة مركبة ( بالبخار ) الأمر الذي كان له اكبر الأثر في خفض انبعاثات ثاني اكسيد الكربون.
ايضا تحقق مشاريع الربط الكهربي الدولي مع دول الجوار العديد من الفوائد أهمها : تخفيض حجم الاستثمارات في قطاع توليد الطاقة الكهربائية (بتقليل انشاء محطات توليد جديدة مما يقلل الإنبعاثات) ونقل الطاقة النظيفة بين القارات ، وسبق ان تابعنا طرح وزارة المالية للسندات الخضراء فى سبتمبر 2020 بقيمة تبلغ 750 مليون دولار، وبأجل 5 سنوات، وعائد تصل قيمته إلى 5.25% وتهدف السندات الخضراء إلى تمويل المشروعات الصديقة للبيئة وتشجيع الاستثمارات النظيفة مما يسهم فى وضع مصر على مسار التمويل المستدام، بالتوسع فى تنفيذ المشروعات الصديقة للبيئة فى قطاعات الطاقة الجديدة والمتجددة، والمياه، والنقل، كما اتجهت إلى إصدار شهادات النجمة الخضراء للفنادق التى تطبق سياسات التوافق مع البيئة، كلها جهود جديرة بالإحترام نتطلع معها الى آفاق رحبة وفق رؤية مصر 2030 ،
وتابعنا جهود الدولة مؤخرا في مشروع تطوير قرى الريف المصرى (حياة كريمة ) بهدف التخفيف عن كاهل المواطنين و تنفيذ مجموعة من الأنشطة الخدمية والتنموية التى من شأنها ضمان حياة كريمة لتلك الفئة وتحسين ظروف معيشتها وادخال الغاز الطبيعي والسخانات الشمسية للمنازل وتحسين الطرق واستخدام لمبات الليد الموفرة وكلها جهود تحسن البيئة وتقلل الإنبعاثات .. .
وضعت الحكومة المصرية الاستراتيجية الوطنية للطاقة المستدامة التي ينبثق منها خطط طموحة؛ طويلة الأجل تستهدف تنويع مزيج الطاقة من المصادر المتجددة حتى عام 2035. وانضمت مصر إلى أسواق الاقتصاد الأخضر من خلال اتخاذها العديد من الإجراءات مفادها الحفاظ على البيئة وتحقيق الاستدامة والتحول للطاقة النظيفة والاقتصاد الأخضر، وتبلورت هذه المساعي في إطلاق عدد من الاستراتيجيات الوطنية ذات الأهداف الإقليمية والدولية المشتركة، ومنها: استراتيجية التنمية المستدامة “رؤية مصر 2030” والإستراتيجية الوطنية للتوسع في تحلية مياه البحر باستخدام الطاقات المتجددة. والاستراتيجية الوطنية لإنتاج الهيدروجين الأخضر باستخدام الطاقات المتجددة واستراتيجية التحول نحو الاقتصاد الأخضر بين الحكومة المصرية مع البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية EBRD والاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ 2050 بالاعتماد على الطاقات المتجددة. والاستراتيجية الوطنية للهيدروجين الأخضر
تتوجه مصر بقوة نحو الاقتصاد الأخضر الذي يهدف إلى الحدّ من المخاطر البيئية وإلى تحقيق التنمية المستدامة سواء في المبانى الخضراء، أوالطاقة المتجددة (شمس ورياح) ، والنقل المستدام، وإدارة المياه وإدارة الأراضى وإدارة النفايات ، و يتحتم على الأسواق تطوير أنماط الشراكة مع القطاع الخاص، وتزويد مناخ الاستثمار دائمًا بأدوات جاذبة، مع تشجيع وحث المستثمرين الرياديين القادرين على تقديم نماذج عمل مبتكرة تتسم بانخفاض مستوي مخاطرها ومنطقية مكاسبها، الأمر الذي يؤكد على أهمية استمرار التعاون بين القطاعين الحكومي والخاص يدًا بيد، ليتحول المستثمرين من المنافسة المطلقة إلى الشراكة مما يعزز من سعي مصر لتصبح أحد محاور الطاقة الإقليمية ..
كلها جهود جديرة بالإحترام نتطلع معها الى آفاق رحبة وفق رؤية مصر 2030 ، ليكتمل بناء جمهوريتنا الجديدة ، مع دعمنا جميعا للجهود التنموية غير المسبوقة والتي تشهدها مصر بقيادة فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي – حفظه الله .
د.م./ محمد سليمان اليماني
رئيس المجلس العربي للطاقة المستدامة
رئيس شعبة الكهرباء بنقابة المهندسين