سحر الكلمات أم كلمات السحر
في يوم 17 أبريل، 2023 | بتوقيت 2:01 م
كتبت: بقلم /ا.د ريهام رفعت
أخطا من وصف الأدب بسحر الكلمات فقط، ولم ينظر لدور الأدب في معالجة المشكلات والقضايا فيما يُعرف بكلمات السحر التي قد تغير السلوك بعد أن تملك الأحاسيس والمشاعر بسحر الكلمات.
لقد كان علماء البيئة دائما يدقون أجراس الخطر من تزايد السكان و اقتصاد عالمي يستهلك رأس المال البيئي وأتضح من التقرير الذي تم تقديمه إلى نادى روما تحت عنوان “حدود النمو” أن الانهيار العالمي اقترب من النهاية ما لم يحدث تغييرات أساسية، وان الكارثة كامنة في منظومة العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية وقد تحققت تنبؤاتهم ففي الثمانيات من القرن العشرين شهد العالم تدفق المشكلات البيئية من مواسم الصيف الحارة والجفاف والأمطار الحمضية والمياه الملوثة والمجاعات وتخلخل طبقة الأوزون مما أكد موقف علماء البيئة، وفى ظل ظهور هذه المشكلات ظهرت العديد من المؤلفات التي عالجت مشكلات البيئة ومن بينها أرض واحدة فقط وهو تقرير رسمي راجعه أكثر من 150 خبيرًا وضع في مرحلة الإعداد لمؤتمر الأمم المتحدة الذي عُقد في أستوكهولم عام 1972 وقد أوضح هذا التقرير مشكلة الزيادة السكانية وعلاقتها باستغلال الموارد الطبيعية والآثار السلبية للتكنولوجيا على البيئة وكتاب الدائرة المغلقة لبارى كومبيز وهو محاولة للكشف عن الآثار الضارة للتكنولوجيا عن البيئة وكتاب القنبلة السكانية لبول إيرلتش والعديد من الكتب التي تنذر بالخطر القادم الذي يهدد بفناء الجنس البشرى.
ولكن لا يزال كتاب الربيع الصامت للكاتبة راشيل كارسون والذي صدر عام 1962 على قائمة الكتب التي أطلقت ثورة في تناول المشكلات البيئية بطرق لم يألفها العلماء فعلى الرغم من أن راشيل كارسون عالمة أحياء بحرية وكاتبة علمية أمريكية، قد ألفت عدة كتب تعكس اهتمامها بالحياة في البحار والسواحل. إلا إن كتاب الربيع الصامت عمل ثقافي وليس علمي لتناول مشكلات البيئة ففي قصة أسطورة الغد من مجموعة راشيل كارسون القصصية افتتحت كارسون حكايتها بالكلمات التالية ” كان ياما كان في قديم الزمان بلده في قلب أمريكا تتناغم فيها الحياة بشتى صورها من طيور لا حصر لها وحقول خضراء وغزلان ونباتات السرخس وزهور برية وعواء الذئاب في التلال ، وأسماك سلمون تسبح في مياه جداول عذبة أنها حالة من الهدوء والانسجام والجمال، ولكن دوام الحال من المحال حيث تغيرت هذه الأجواء بعد ظهور مرض غامض، أفقد البلدة سحرها و جمالها”.
لقد ركزت القصة على تصوير جمال الطبيعة وعلاقة الانسجام بين الإنسان والطبيعة فتأخذنا الحكاية ابتداء من تصوير حالة السكون إلى الدمار الكارثي حيث بدأ كل شيء يتغير وأصبح الموت والظلام يخيمان على المكان واكتملت تلك الصورة الحزينة في وصف الطبيعية بعد انتزاع الجمال منها بأننا سنشهد أعوامًا بلا ربيع لا تغرد فيها البلابل والعصافير، وذلك بسبب الاستخدام غير الحكيم للمبيدات الكيميائية و اتجاه المجتمع الصناعي نحو العالم الطبيعي، وانقراض الكائنات الحية وزيادة معدلات التلوث .
ويكمن الإنجاز الذي حققه كتاب الربيع الصامت في تحول المشكلة البيئية من مجرد مشكلة تحظى باهتمام العلماء الى مشكلة تحظى باهتمام المجتمع وانتقلت من طاولات العلماء الى طاولات الجمهور ومن المناقشة العلمية البحتة إلى مناقشات مجتمعية وسياسة وقانونية وإعلامية وثقافية فهناك العديد من الكتب العلمية لا تجد صدى في المجتمع وهناك أعمال أدبية غيرت العالم فيما يعرف بكلمات السحر وهذا لا يقلل من قيمة الكتب العلمية ولكن إذا كانت الكتب العلمية جسد الحياة فالأعمال الأدبية هي روحها فلا يستقيم أحداهما بدون الآخر، هذا ما يؤكد العلاقة بين الأدب والعلم، فكل منهما يؤثر ويتأثر بالآخر.
لقد ظلت البيئة بعيدة عن الأعمال الأدبية فهل آن الاوان إلى كسر طلاسم العلوم والدراسات البيئية وبناء الجسور بين علماء البيئة والأدباء والمفكرين والمبدعين لنقل البيئة بمفرداتها المعقدة الثقيلة الدسمة مستعصية الهضم إلى الجمهور بطرق بسيطة خفيفة سهلة الهضم ذلك الحلم الذى قد يجد طريقه الى أرض الواقع عندما تنتقل العلوم البيئية من المعامل ومراكز البحوث إلى وسائط الثقافة والفنون وعندما يعلم الجميع أن البيئة هي الحياة وليست حكرا على العلماء.
فاذا اختلفت الوسيلة بين الأدب والعلم في معالجة مشكلات البيئية فلاشك أن الغاية واحدة وهى الاستمتاع بالحياة والعيش المستدام وجودة الحياة واعلاء القيم والاخلاقيات واعمار الأرض حتى نستحق أن نكون خلفاء الله على الأرض .
أ.د/ ريهام رفعت محمد
وكيل كلية الدراسات العليا والبحوث البيئية للدراسات العليا والبحوث وأستاذ التربية البيئية بقسم العلوم التربوية والإعلام البيئي [email protected]