ليس عشقًا ممنوعًا
في يوم 10 أبريل، 2023 | بتوقيت 1:35 م
كتبت: بقلم /ا.د ريهام رفعت
عند الحديث عن تزاوج البيئة والإعلام والتربية والأدب والفنون وغيرها من العلوم يظن البعض أن هذا أشبه بالسراب المرتبط بأمل الانسان الظمآن بالمياه بوسط صحراء جرداء لا زرع فيها ولا ماء، ولكن قبل إصدار أية أحكام؛ علينا أولا قراءة هذه السطور فلربما تتفق معي أن تكامل التخصصات من أجل إدراك الصورة الكبيرة أصبح ضرورة وليس رفاهية، علم وليس عبث، حقيقة وليس سراب.
فقد شهدت السنوات القليلة الماضية تفاقم العديد من المشكلات البيئية وربما يُعد تغير المناخ هو أكبر وأكثر المشكلات البيئية إثارة للجدل وأشارت أصابع الاتهام إلى الإنسان نتيجة لسلوكياته غير المسئولة تجاه البيئة وأن تغير المناخ مستمر ولا مفر منه في الوقت الحاضر والذي سيأثر على النظم البيئية والاجتماعية والاقتصادية، مما يؤدي إلى عدم الاستقرار وزيادة المخاطر والضعف حيث سيؤدى تغير المناخ إلى ارتفاع مستوى سطح البحر وفقدان التنوع البيولوجي وزيادة معدلات الجفاف والفيضانات والعواصف، وهذه التأثيرات وغيرها تؤثر على البشر بشكل مباشر وغير مباشر لما تمثله تهديدًا للصحة وامدادات المياه والغذاء.
وقد اثارت مشكلة التغيرات المناخية وتداعياتها محادثة بين دكتور آندى أوبل – وهو أستاذ بكلية الاتصالات بجامعة ولاية فلوريدا ومديرًا لبرنامج إنتاج الوسائط الرقمية – مع جورجيا أكرمان – رئيسة مجلس إدارة حراس نهر أبالاتشيكولا- لإعداد مشروع متعدد التخصصات وذلك بعد فترة وجيزة من تسمية نهر أبالاتشيكولا بأنه النهر الأكثر تعرضًا للخطر في الولايات المتحدة وفى هذا الصدد اقترح أوبل طريقة لانخراط الطلاب بولاية فلوريدا للمشاركة في وضح حلولاً لتلك المشكلة.
كانت المحاولات الأولى لدكتور آندى أوبل تتمثل في بناء مشروع قائم على التخصصات المتعددة ردًا على الإنكار الصريح لتغير المناخ في حكومة ولاية فلوريدا، وفي ربيع عام 2014 ، دخل دكتور أوبل في شراكة مع البروفيسور الدكتور بيل لاندينج بقسم الأرض والمحيطات وعلوم الغلاف الجوي بجامعة فلوريدا وتم إنشاء مشروع نيرو حيث اعتمد المشروع على طلاب آندى أوبل في إنتاج وسائط الإعلام الرقمي وطلاب بيل لاندينج في العلوم البيئية وقد تم تسمية المشروع باسم “مشروع نيرو” على اسم الإمبراطور الخامس لروما الذي يُشاع أنه عبث بينما تحترق روما ، وكان أمل أوبل كسر حالة اللامبالاة التي يشعر بها المشرعون في فلوريدا والعديد من مواطني الولاية تجاه تغير المناخ وعلى الرغم من عدم وجود حركة كبيرة لسياسة المناخ في ولاية فلوريدا إلا أن جهود الطلاب أسفرت عن مجموعة واسعة من الانجازات منها إنشاء مدونة صفحة فيس بوك ، حساب تويتر ، وسلسلة من أشرطة فيديو اليوتيوب وإطلاق سلسلة من حملات وسائل التواصل الاجتماعي وانتاج فيلمًا وثائقيًا لتعزيز الروابط بين كلية الاتصالات بجامعة ولاية فلوريدا والمجتمع المدني.
وهنا يبقى السؤال مطروحًا إذا كانت مشكلات البيئة متعددة التخصصات بطبيعتها فكيف يتم دراستها بتخصص واحد؟! أن التفاعلات بين البيئة والمجتمع معقدة كما أن طرح حلول لتلك المشكلات لا يتطلب نهج التخصصات العلوم العملية فقط، ولكن تخصصات العلوم الاجتماعية والإنسانية والتطبيقية إن مناهج متعددة التخصصات أصبح ضرورة لمعالجة مشكلات البيئة المعقدة وإدراك الصورة الكبيرة.
ولكن للأسف الشديد نجد البعض دعم فكرة أن معالجة تلك المشكلات تقع تحت مظلة العلوم الطبيعية والبيولوجية فقط مثل علم الحيوان، علم النبات وعلم الأحياء الدقيقة وعلم وظائف الأعضاء فهل آن الأوان للاعتراف بأن الدراسات البيئية تغطي جميع الجوانب التي تؤثر في الكائن الحي وإنه لابد أن تكون العلوم الاجتماعية والإنسانية والتطبيقية في قلب الأحداث تلك العلوم المحذوفة قهرًا وعمدًا عند تناول المشكلات البيئية بحجة أنها لا تضيف إلى العلم شئيًا وأنها تمثل عبئًا ثقيلاً على العلوم العملية وأنها لا تسمن ولا تغنى من جوع.
فليس من الغريب أن أعشق دراسة البيئة ومشكلاتها بمنظور عدة تخصصات الإعلام والتربية والأدب والفن وغيرها من العلوم لكي أرى البيئة بشكل أفضل، أن العشق – كما تم تعريفه بمعاجم اللغة العربية ” الحب الشديد” أو “الشغف “- بتزاوج البيئة والإعلام والتربية وغيرها من العلوم تحت مظلة التخصصات المتعددة والبينية ليس عشقًا ممنوعًا فأعطى لنفسك مساحة من هذا العشق واطلاق العنان إلى سماء المعرفة وتكوين النظرة الكلية للحياة فما أجمل أن نعشق البيئة ونحميها من منظور جميع العلوم والتخصصات.
أ.د/ ريهام رفعت محمد
وكيل كلية الدراسات العليا والبحوث البيئية للدراسات العليا والبحوث وأستاذ التربية البيئية بقسم العلوم التربوية والإعلام البيئي
[email protected]